الامام الصادق(عليه السلام) في المواجهة
قلنا انّ عصر الامام إمتاز بالانقسامات السياسية و المذهبية خصوصاً في عهد المنصور الدوانيقي الذي نشر ظلمه و جوره في البلاد فتعددت الحركات الثورية من العلوييّن وغيرهم ضد بني العباس، و في ظل هذه الثورات كان بنو العباس قد إنغمسوا في الملذات و الترهات و الليالي الحمراء و الاسراف على المغنيات و الراقصات و المضحكين و الشعراء و من جهة أخرى طالت يدهم الظالمة الى الابرياء من آل محمد(صلى الله عليه وآله)
و امتد النفوذ النصرانى و اليهودي في البلاط العباسى، من خلال الاصباء و المنجمين والقصاصين و اصحاب الترجمة فانتشرت الافكار المظلّه و الاسرائيليات في صفوف المسلمين و تدخلت البدع في المذاهب الاسلامية لتحتل مكان السنة، و تحولت السنة الى بدع و اليك بعض الامثلة التاريخية عن شكل الحياة إبان عصر الامام الصادق(عليه السلام)
اولاً: ظهر القياس في مذاهب اهل السنة و أول من أصلَّهُ و ركَّزه و جعله دليلاً مقابل القرآن و السنة أبو حنيفة، و هو زعيم أهل الرأي الّذين يفتون و يفسرون القرآن و الاحكام برأيهم الشخصي.
ثانياً: و لقد كان في كل بلد إمام و مذهب يُنسب اليه و تختلف آراء هؤلاء العلماء بما يولِّد الاختلاف بين بلد و آخر و مدينة و اخرى منهم، الحسن البصرى، و سفيان الثوري، و سفيان بن عيينة، و الشعبي، و المذهب الحنفي، و المالكي، و الشافعي، و الحنبلي، و صارت كل فرقة تكفّر الاخرى.
ثالثاً: و كانت السلطة ترفع هذا و تخفض ذاك و تمنع المذهب الفلاني لانه يصطدم و مصالحها و تؤيد المذهب الفلاني لانه يضمن لهم مواقعهم و مصالحهم و هكذا، و لان الخط الجعفرى هو الاسلام الاصيل المتوارث من سيد المرسلين فهو ضد الظلم و لا يؤيد أعمال بني العباس، بل يدعو للثورة ضد الجبابرة و مكافحة البدع... فنُحِّي هذا المذهب و اتباعه عن مسرح الحياة و اُقتيد رجاله الى منصة الاعدام و الذبح.
فواجه إمامنا الصادق(عليه السلام) هذه الحياة التي ملؤها الانحراف والاجحاف، و التعدي، و الظلم، مواجهة علمية، أدبية، حوارية، قائمة على أسس العقل و المنطق و الكتاب و السنة، وكان(عليه السلام) يؤيد بعض الثائرين المخلصين سراً و يدعو لهم بالنصر و لا يطعن و لايفتي ضدهم ابداً و حارب الامام الصادق(عليه السلام) المذاهب المنحرفة بإظهاره سُنة و سيرة النبي(صلى الله عليه وآله)و سعى لتأصيلها في القواعد الشيعية بكل قوة حتى إستطاع ان يحفظ هذا الدين من الانحرافات و البدع، و امتاز الجعفريون بالاصالة الاسلامية و الاتباع الخالص لسنة سيد الرسل(صلى الله عليه وآله) و ضل هذا المذهب خالي من التنازعات الداخلية، لان الشيعة تقتدي بالامام المعصوم بعد المعصوم، بينما نجد القاضي المالكي الحارث بن مسكين يفتي باخراج الحنفية و الشافعية من المسجد بينما افتى الاخرون ضد المالكية و هكذا تعددت عوامل الفرقة و ماج الناس في هذه الفتن المذهبية و السياسية.
و لكن من بين هؤلاء حافظ الامام(عليه السلام) على المذهب الحق و غذي به الافراد المخلصين و استطاع ان يوصله الينا عبر كل هذه الاحداث و الانحرافات و الاهواء.